اعتبر نقاد وكتاب دراما أن الأفلام والمسلسلات المصرية سبقت نظيرتها التركية في المعالجة العقلانية لجرائم الشرف في المجتمع بالزواج، كما حدث في مسلسل "لا مكان لا وطن" الذي تعرضه قناة mbc.

لكن هؤلاء النقاد رفضوا في الوقت نفسه القول بأن هذه النوعية من الجرائم تراجعت في الأعمال الدرامية المصرية، إذ تم تجاوزها إلى قضايا الاغتصاب التي انتشرت في الأفلام والمسلسلات في السنوات الأخيرة، كما حدث عندما قدمتها الفنانة يسرا في "قضية رأي العام"، وغيرها.

واعتبر النقاد أن الدراما المصرية مالت في العقود الأخيرة إلى تقديم الحل الودي لجريمة الشرف بسبب تغييرات مجتمعية وثقافية، على غرار موقف والد "منى" من حملها غير الشرعي ومحاولته تزويجها من "حسين" وعدم الانسياق وراء محاولات عمها وأخيها قتلها لغسل عارهم، وكذلك موقف حبيبها حسين وإصراره على الزواج منها.


تجاوز نحو الاغتصاب

ورأى النقاد أن شهر رمضان الماضي شهد تركيز عدة مسلسلات مصرية على قضايا تتعلق بالشرف بشكل عام، فقدت تعرضت غادة عادل ضمن أحداث مسلسل "قلب ميت" إلى التحرش الجنسي من زوج خالتها، الأمر الذي يدفعها إلى الهرب والإقامة بمفردها في غرفة تحت السلم، وتتعرض مرة أخرى لهذه الجريمة من أحد سكان العمارة، فضلاً عن محاولة اغتصابها أثناء رجوعها من عملها ليلاً.

كما تتعرض داليا البحيري بطلة مسلسل "بنت من الزمن ده" للاغتصاب على يد بلطجية في المنطقة العشوائية التي تسكنها، كما يتعرض المسلسل للعديد من قضايا الاغتصاب التي يتعرض لها أولاد الشوارع.

ولمدة أربع دقائق تعرضت الفتاة التي تجسد شخصيتها الممثلة "إيمي" في مسلسل "الفنار" إلى الاغتصاب، واعتبرته "إيمي" من أصعب المشاهد التي قدمتها.

كما تعرضت هند صبري في أول عمل درامي لها وهو "بعد الفراق" إلى محاولة اغتصاب، فأثناء ركوبها الميكروباص استدرجها السائق واثنان من أصدقائه إلى منطقة مهجورة وحاولوا اغتصابها تحت تهديد السلاح وأنقذتها العناية الإلهية في اللحظة الأخيرة.

ويرجع الناقد رفيق الصبان في مقابلة الاختلاف اختلاف طريقة معالجة قضايا الشرف في الدراما المصرية إلى اختلاف الأزمنة، وقال إنه "مثلا حينما حدث اعتداء وحمل غير شرعي في فيلم "دعاء الكروان" كان الحل واحد ولا يوجد له بديل وهو القتل. أما الآن فإذا حدث ذلك قد يكون هناك حلولا أخرى تختلف أولا تبعا للطبقات ثانيا للبلد التي حدثت بها الجريمة؛ هل في المدينة أم الريف؟.. فكل يمتلك عقليه ما في نظرته لمثل هذه القضايا التي هي موجودة بالفعل في الدراما المصرية، لكن بشكل مقنن وليس شائعا أو في إطار من العمومية مثلما كان في الدراما التركية".

أما المؤلف والسيناريست يسري الجندي فقال، إن قضايا الشرف وتناولها كجريمة ليست غائبة عن الدراما المصرية، لكن التناول الذي جاء من خلال "لا مكان.. لا وطن"، ومن قبله في مسلسل "سنوات الضياع" كان غريبا على عادتنا، فكيف تتعايش فتاة حامل في نطاق غير شرعي مع حياتها بشكل طبيعي".

وقال الجندي "أنا أؤيد موقف الأب في مسلسل لا مكان لا وطن مع كل من منى وحسين، وضد أي موقف عنيف يزيد من الجريمة ليجعل منها سلسلة من الجرائم التي لا تنتهي، مثلما كان يريد أن يفعل عم منى وشقيقها في المسلسل".

في الوقت نفسه، رأى الكاتب الشهير أسامة أنور عكاشة أن الدراما التركية استطاعت أن تمتلك حيزا في الشارع المصري لا لتناولها جرائم الشرف والحمل سفاحا وما إلى ذلك، لكن يعود إعجابهم بهذا الزحف التركي إلى رومانسيته لا أكثر ولا أقل، أضف إلى ذلك أن جريمة الشرف في الدراما المصرية موجودة بدليل الأعمال التي تناولت قضايا الاغتصاب. وتساءل: أليس هذا شرفا منتهكا؟!.

من ناحيته، قال الناقد نادر عدلي، إن الدراما التركية خاصة في مسلسلي "سنوات الضياع" و"لا مكان.. لا وطن" تدور حول قضية الشرف، بحيث إن كل كل القضايا الأخرى مفقودة بجوارها، أما في الدراما المصرية، فبالطبع تم مناقشة هذه القضية كثيرا، لكن في إطار اجتماعي ليس مقبولا على الإطلاق وارتبط إلى حد بعيد بالثأر، لكن مع مناقشه عدد آخر من القضايا الاجتماعية، أي أن اهتمام الدراما المصرية ليس منصبا بكامله على طرح مثل هذه القضايا.

انقسام المصريين
الشارع المصري بدوره ينظر نظرة مختلفة لطرح قضايا الشرف في الدراما التركية، وتقول دينا البهجوري -مهندسة ديكور- إنها متابعة جيدة للدراما التركية، التي بسببها تراجعت كثيرا عن مشاهدة الأعمال المصرية التي تسير على وتيرة المثالية ولم تتناول قضايا الشرف بشكل موسع، مثلما حدث مثلا في "مسلسل لا مكان لا وطن"، حيث كانت لقضية الحمل خارج نطاق الزواج سيل من المناقشات الحادة، وليس مجرد مشهد أو اثنين كما يحدث مع الأعمال المصرية سواء في السينما أو التليفزيون.

وأضافت أن التطرق في الدراما المصرية لقضايا الشرف يأتي من زاوية أنه مرفوض أخلاقيا ودينيا، وستظل الدراما المصرية تدفن رأسها في الرمال طالما الموضوع له علاقة بالجنس والعلاقات غير الشرعية برغم تواجدها في كل مجتمع، إلا أن القائمين على صناعة الدراما في مصر يعتبرونها من المحرمات. وأيدت دينا موقف حسين من منى، خاصة إصراره على الزواج منها بعد أن تورطا معا.

الطرح مختلف

وخالفها الرأي شادي عكاشة -معد برامج بأحد الفضائيات- قائلا، إن قضايا الشرف باعتبارها جريمة موجودة لم تتلاش في الدراما المصرية -كما يزعم الكثيرون- ولكن المناقشة والطرح يختلفان، وهذا شيء طبيعي طالما الثقافة مختلفة والعادات والتقاليد المصرية ليست متطابقة مع التركية، حيث يتم التناول في إطار هامشي.

من جانبها، أشارت رشا السيد –محامية- أن الدراما المصرية، سواء التليفزيونية أو السينمائية بها كتاب ومؤلفون على دراية كاملة بأهمية طرح قضايا الشرف، لذا لم يتجاهلوها، وكان ذلك واضحا في كثير من الأعمال لعل على رأسها ما تناوله المخرج مجدي أحمد علي في فيلمه "أسرار البنات"، وكذلك فيلم "مذكرات مراهقة" لإيناس الدغيدي.

وأضافت أن هذه القضية تم مناقشتها بشكل موسع قبل سنوات بعيدة من خلال فيلم "دعاء الكروان"، حيث أظهر كيف كانت جريمة الشرف سبب في انهيار عائلة بأكملها، وما تبعته من جرائم أخرى كالقتل، كذلك هناك كثير من المسلسلات تناولت جريمة الشرف مثل "الحقيقة والسراب" وكيف كانت الإشارة إلى سبب الجريمة وأساسها، والتأثيرات السلبية التي تتركها على الشخص صاحب القضية وكذلك نظرة المجتمع له التي لا ترحم.

من جانبه، يقول أحمد أن المجتمع المصري لحق به تغييرات عديدة في مفهوم الشرف والدليل قضية هند وأحمد الفيشاوي، حيث لم تخجل البنت من الإفصاح عن علاقتها والقول أنها زواج عرفي رغم أن ذلك مدان اجتماعيّا.

وأشار إلى أن الأفلام المصرية عادة ما تركز الآن على جريمة الاغتصاب بالقوة التي يصاحبها ضجة في المجتمع، بينما جرائم الشرف، خاصة الحمل خارج إطار الزواج يتم التعامل معه بإيجاد طرق ودية لإنهاء الفضيحة

0 comments

إرسال تعليق

Roua Nazar Clips on Facebook