أهم ما في آراء مشاهير السينما العالمية حول العدوان الهمجي الصهيوني على غزة، أن تلك الآراء تعبر عن ثقافة ووعي وميول هذا الممثل أو ذاك، ورأيه ليس بالعرب أو اليهود بل بالإنسانية وبإنسانيته أولا. فأن يدعو أحدهم إلى تدمير العرب وإبادتهم، أو يعرب عن كراهيته الشديدة لهم لدرجة أن يصفهم بالحيوانات، فهذا الشخص ليس ممثلا، ولا علاقة له بالفن، بل هو شخص عنصري يقطر حقدا وكراهية. في الأيام الأخيرة تناقلت وكالات الأنباء آراء بعض مشاهير السينما العالمية في العدوان على غزة، فنجد مثلاً أن ممثلا أنيقاً وهو داستين هوفمان يصبّ جام غضبه على إسرائيل، ويقول بالحرف "أن البشرية كلها بدأت بالانقراض عندما ظهرت إسرائيل". ولا يمكن اعتبار هذا الرأي تحيزاً من الممثل لصالح العرب وضد إسرائيل، بل هو دليل على ثقافة هوفمان، ومتابعته غير المنحازة للأحداث، ليس على صعيد العدوان الغاشم الآن على غزة فقط، بل وإطلاله على ما استجد في العالم منذ نشوء إسرائيل، وكيف اضطرب العالم بعد أن أصبح لهذه الدولة أذرع تتحرك بها باعثة الفساد في الأرض. ويكفي أن نتابع مسيرة داستين هوفمان لنلتقط إنسانيته ووعيه في اختيار أدواره، فقد تفوق على نفسه في فيلم "رجل المطر" حين قدم شخصية رجل مضطرب نفسياً، وكل ما يرجوه أن يعيش في مشفى خاص لوحده، غير أن وفاة والده وإجراءات حصر الإرث بعد ذلك تدفع شقيقه (توم كروز) ان يحاول إخراج شقيقه المأزوم من عزلته لعله ينجح بالتحايل عليه والحصول على الميراث كاملاً. غير أن المفاجأة تكون بإنسانية الأخ المضطرب، فلديه من الحس الإنساني والشفافية ما يفوق الكثير من الآخرين، مما يؤدي إلى تحول في علاقة الشقيقين قوامها عدم الاهتمام بالميراث، وإحساسهما بضرورة الاهتمام ببعضهما البعض. المهم في هذا الفيلم هو الدور الذي أداه هوفمان، والذي اعتبر من أصعب الأدوار التي قدمت على الشاشة، فأنت تتحدث عن شخص مضطرب منطو ولكنه في المقابل خارق الذكاء جياش بالعاطفة. والأهم من ذلك أن هذا الدور يدل على وعي وثقافة هذا الممثل الذي يعتبر من أكثر الممثلين تدخلا في مجريات الفيلم، وهو صاحب مقولة أن نهاية الفيلم يجب أن تكون منسجمة مع حيثيات الفيلم، أي ليس بالضرورة أن تكون نهاية الفيلم سعيدة، كما يطيب لاستديوهات هوليود أن تقدم، إذا لم يكن هناك ما يستدعي هذه السعادة. ومع داستين هوفمان ثمة ممثلون آخرون لم تعم بصائرهم الأحداث، وظلوا يقظين لجوهر الحقيقة ومنهم الممثل جورج كلوني الذي يرى أن بوش، شارون، بلير، رايس اسماء سيلعنها التاريخ. فيما يرى الممثل انتوني هوبكنز أن إسرائيل تعني الحرب والخراب، ويقول: "نحن الأمريكيون وراء تلك الحرب، إنني اخجل من كوني أمريكياً". وينضم إلى هذه النخبة من الممثلين الصادقين مع أنفسهم المنحازين لإنسانيتهم الممثل العالمي آل باتشينو الذي يرد على السؤال الموجه إليه بالقول: "فلنلق نظرة على التاريخ الإسرائيلي وسنعرف حقا من هو الإرهابي". ويطول الحديث عن ال باتشينو وثقافته الواسعة وقدرته على اختيار أدواره، ويكفي أن نستحضره في فيلم "العراب" الذي يعد من أهم الأفلام الكلاسيكية التي قدمتها السينما العالمية، كما لا ننساه في فيلم "رائحة امرأة" الجنرال الضرير الذي تعبق روحة بالحياة أكثر من كل الزحام الذي تزدحم به الأرصفة وعيونها مفتوحة على الحياة. في سياق مختلف نجد من بين مشاهير السينما العالمية من يبادر لتنصيب نفسه محاميا عن إسرائيل، ومن يتطوع لتلميع صورتها، وتغطية الدماء الملطخة بدماء الفلسطينيين، ومنهم الممثل ريتشارد جير الذي يرى أن العرب عبء على العالم ويجب إبادتهم. ولا أريد أن أتحدث عن سطحية أعمال هذا الممثل، واعتماده المطلق على وسامته فقط، ونرجسيته المريضة التي تجعله ينظر الى الاخرين وكأنهم دون المستوى، ويكفي ما حدث في مارس 2008 حين زار الهند ولم يحترم خصوصية ومحافظة هذا البلد، فراح يتمادى بالتحرش بالممثلة الهندية شيلبا شيتي على مرأى من الجماهير، وتقبيلها المتكرر من خديها. وقد قدمت دعوى قضائية ضده يومها انتهت بصدور قرار قضائي يقضي بمغادرة هذا الممثل الهند. فيما يحاول العجوز المتصابي شين كونري ان يتفلسف بالقول: "نحن نتحدث من نقطة قوة، ماذا لو كنا نحن الضعفاء"، فيما يرى توم كروز أن العرب هم مصدر الإرهاب ويزعم ان العرب يهاجمون الجميع من غير استثناءات. ويتمنى كروز ان تنجح إسرائيل في تدمير العرب. أما هاريسون فورد فيرى أن العرب اشد قذارة من الحيوانات نفسها، ويقول متباهيا: "نحن اليهود شعب الله المختار ... لا مجال للمقارنة". إن هذه الآراء تكشف كيف ينظر لنا أشخاص أتاح لهم موقعهم أمام الكاميرا أن يتصدروا بيوتنا، وأن يشغلوا وقتنا بما يعرض لهم من أفلام سينمائية، والأجدى لنا أن نعرف أفكارهم وخلفياتهم الفكرية، وان نحدد موقفا منهم، وكما أشرت في البداية لا خسارة من إسقاط مثل هؤلاء الممثلين من حساباتنا، لان كل شخص بما في داخله ينضح، وبالتالي، فإن المعادي، هو معاد بالدرجة الأولى للإنسانية. وليست مصادفة على أية حال أن تجد الممثلين المعادين للعرب، الشامتين بالدم الفلسطيني أصحاب ثقافات ضحلة وتاريخ مشبوه، وسلوكيات مريضة، وأن نجد المتضامين مع الحق، ومع الشعب الفلسطيني الرافضين آلة الموت الإسرائيلي، همّ من الممثلين المثقفين، أصحاب التاريخ الفني والإنساني المشرف.

0 comments

إرسال تعليق

Roua Nazar Clips on Facebook